الصفات العامة لبرج الدلو
يتحكم في أقوال مولود برج الدلو و أفعاله عاملان أساسيان هما الفضول و التحدي . من جهة يكسبه الفضول الاهتمام الشديد بالأشخاص و الحوادث و الأمكنة و الأزمنة دون أي استثناء , و من جهة أخرى يدفعه التحدي إلى التظاهر بالطرافة و الغرابة و بالخروج عن الطريق السوي في بعض الأحيان لمجرد أن يثبت أنه قادر على رفض العادات و التقاليد . و كلا العاملان هبة من الكوكب " أورانوس " الذي يرعى برج الدلو .
يتمتع إنسان برج الدلو بعينين تلوح فيها بوادر حلم غامض يصعب على الآخرين إدراكه , و يوحي رأسه المائل باستمرار بأنه مشغول بحل قضية أو بإيجاد رد على سؤال ما .
طريف و متمسك بحريته و استقلاله . ليس في ذلك أدنى شك , و لكنه يبدو تارة صلفا مغرورا و طورا خجولا مسالما . و مهما يكن من أمره يبق هدفه الأساسي الصداقة , فهو يطمئن إلى البشرية عامة على الرغم من تعطشه إلى العزلة بين الحين و الآخر . و لكن أصدقاؤه المقربين قلائل نظراً إلى اهتمامه بمعارفهم لا بنوعيتهم . إذا ثار هذا الإنسان ضد التقاليد الموروثة فلاعتقاده أن العالم بحاجة ماسة إلى التغيير الجذري المستمر . و من عادته العيش في المستقبل بدلا من الحاضر مستبقا الزمن عشرات السنين على أقل تقدير . لذلك يصعب على الكثيرين فهمه وخصوصا لأنه ينتمي إلى صفوف العباقرة و المجانين وبين العبقرية و الجنون خط واه كما نعلم .
شخصية مولود برج الدلو مزيج مركب من البرود و الروح العملية وعدم الاستقرار . ميزته العجيبة تكمن في قدرته على تهدئة الأعصاب المتوترة سواء عند الأطفال أو البالغين . بالإضافة إلى ذلك يتمتع بفكر نير وعقل راجح يحولان دون التسرع في إصدار الأحكام . ثم إنه يعتبر جميع أفراد البشر أشقاء مهما اختلفت بيئتهم و مراكزهم الاجتماعية أو المادية . و مع أنه يرفض العزلة مدة طويلة و يسعى للاحتكاك المستمر بالناس إلا أنه يأبى الارتباط بمواعيد محددة مفضلا ترك المسألة للظروف . ولكنه إذا وعد وفى دون أي تردد .
يصرح مولود برج الدلو بآرائه دون أن يفرضها على الآخرين ليقينه أن لكل شخص ظروفه الخاصة , و أن الفردية أمر لا غنى عنه في الحياة . من أهم مثله العليا المساواة و الأخوة و الحرية و الحب و الحقيقة و التجربة و التأمل . لكن من النادر أن يحارب من أجل أهدافه . إذا وجد نفسه في قلب المعركة مرغما رد بأسلوب أعمى و دون أي تمييز , أو اختار الواقع انهاء للمشكلة . لهذا السبب يتهمه البعض بالجبن مع أنه ليس كذلك . و البرهان على شجاعته تمسكه برأيه وعدم التراجع عنه بين عشية و ضحاها كما يفعل الآخرون .
هذا الإنسان كثير المفاجآت حتى بالنسبة إلى أصدقائه و أتباعه . و سبب ذلك رفضه الإفصاح عن غاياته أو عن الطرق المؤدية إليها الأمر الذي يدفع البعض إلى كرهه و لومه بقسوة . و هو من جهته لا يمنح ثقته للآخرين إلا بعد تدقيق و تمحيص طويلين . لكنه متى رضي عن شخص منحه حبه و ثقته الكاملين , و دافع عنه دفاع الأبطال . من ناحية أخرى تبدو ذاكرته ضعيفة نسبيا بسبب قلة انتباهه و عدم استعداده لحفظ ما هو تافه و غير ضروري . و مع ذلك يتمتع بحس مرهف قلما يتوفر لغيره من مواليد الأبراج الأخرى . بل أن حاسة سادسة تجعله يسمع أو يرى الأشياء قبل حدوثها . و على الرغم من ذلك يرفض المعتقدات الخرافية ما لم يجد فيها مبررا علميا يتقبله عقله .
هذا الإنسان مثالي يكره الكذب و الخداع و الرياء , و يتمسك بكلمة الشرف إلى حد الاستماتة في سبيلها , و يكره أيضا الديون و القروض على اختلاف أنواعها , ويفضل عليها الحرمان أو العطاء دون مقابل . لكن مثاليته من نوع خاص إذ تجعله يتخلى عن القضايا الخاسرة . يضاف إلى هذا أنه متحرر فكريا و جسديا , و لهذا السبب يصعب على أي كان ربطه أو أسره فترة ولو وجيزة .
إن مولود برج الدلو بحكم تأثره بالكوكب أورانوس رمز التغيير و الحركة و التحدي ينتمي إلى الإنسانية بأجمعها , و يمثل تطلعاتها و آمالها و مثلها العليا .
الطفل الدلو
الطفل في برج الدلو طفل حساس عنيد مستقل و صاحب نزوات تبدو لأهله و المحيطين به أشبه شيء بالموجات الكهربائية أو الإشعاعات الذرية . لكن هذه الظاهرة لا تعود مستغربة متى عرفنا أن الكوكب أورانوس يؤثر في هذا الطفل و يكسبه غرابة الأطوار التي تعرف عنه .
يتمتع الطفل في برج الدلو بدماغ معقد هو مزيج من التفكير الواقعي و المنطق السليم و الحس المرهف الأمر الذي يمنح شخصيته طابعا سلبيا يجعله يرفض الانصياع للأوامر ما لم يقتنع بها أولا , كما يمنحه مزاجا مملوءا بالتناقضات . يحاول في الواقع أن يبدو مختلفا عن بقية الأطفال فلا يتوانى من أجل ذلك عن الظهور بمظهر الشيوخ الحكماء أو الأشخاص الغريبي الأطوار . يتمنى مثلا الخروج تحت المطر أو يلزم غرفته المغلقة في الجو الصافي الجميل .
قد ينجح هذا الطفل في المدرسة نجاحا باهرا يقوده إليه منطقه السليم أو يفشل فشلا ذريعا بسبب قلة انتباهه و عدم مقدرته على التركيز . ومن مشاكله الرئيسية في تلك المرحلة المبكرة من عمره ضعف الذاكرة و تشتت الأفكار , فإذا لم يعالج منهما في الوقت الملائم تفاقم أمره على مر السنين و أصبح فيما بعد إنسانا شبه ضائع . يجب في الواقع تشجيعه على ممارسة الرياضة وعلى الخروج من دائرة بيته الضيقة كي لا يبقى أسير جسمه البطيء و أحلامه السريعة المتيقظة .
يكره الطفل في برج الدلو العصافير و الأشجار و الشواطئ و الغابات و جميع الأشياء الأخرى التي يألفها الأطفال عادة , و يفضل عليها اكتشافاته الخاصة الأكثر تعقيدا , كما يكره المسؤولية و الواجب و يفضل عليهما أساليب العيش الأبسط و الأسهل . لهذا السبب يصبح من واجب أهله أن ينموا فيه هذه الروح التي يفتقر إليها إذا أرادوا له في المستقبل دورا في المجتمع بناءا و ايجابيا .
على الرغم من غرابة أطواره ينجح هذا الطفل في استقطاب أكبر عدد من الأصدقاء من مختلف الأعمار و الطبقات . و مع ذلك يبقى بعيدا عن التجارب العاطفية التي يمر بها سواه من الأطفال و خصوصا في مرحلة المراهقة . و الحقيقة أن الطفل المنتمي إلى برج الدلو يفضل على حب الفرد الواحد حب الإنسانية بأجمعها .
هذا و يتأثر بمشاكل أهله تأثرا بالغا يحاول إخفاءه بجميع الوسائل . إن جميع ما يراه و يسمعه في طفولته يبقى في الواقع منقوشا في ذاكرته حتى آخر نسمة من حياته . و ليس هذا فحسب بل إن في استطاعته قراءة أفكار الآخرين و التكهن بتصرفاتهم قبل حدوثها و لهذا السبب بالذات يجب على أهله أن يؤمنوا له جوا عائليا يسوده الهدوء و التفاهم و الانسجام , و تراعى فيه طبيعته الغريبة هذه .
يقال أن هذا الطفل يولد ناضجا بكل معنى الكلمة . و هو منذ البداية يضع لنفسه أهدافا يجهلها غيره من الأطفال العاديين . و مع أنه يجهل في أي اتجاه يسير باستمرار إلى أن يصل إلى غايته المنشودة .
الرجل الدلو
قد لا نستطيع القول أن الرجل في برج الدلو يحب جميع الناس حبا صادقا و مجردا , و لكن في استطاعتنا التأكيد أنه يعتبر جميع الناس دون استثناء أصدقاء جديرين باهتمامه . و البرهان على ذلك كلمة " صديقي " التي تتردد على لسانه أكثر من مرة حتى في حديثه مع خصم أو عدو . إن شعور رجل برج الدلو تجاه الآخرين هو في الواقع شعور غامض معقـد إذ يحيط نفسه بالكتمان الشديد و يعتبر في الوقت ذاته كل شخص أو حادث تجربة ذهنية تستحق منه الفضول و التحري .
حياة هذا الإنسان سلسلة حوادث مفاجئة و تقـلبات و تناقضات و مع ذلك يعتبر وجوده مصدر راحة نفسية للكثيرين بينما هو يقـلق في سعيه وراء الألغاز و القضايا العويصة و الأهداف البعيدة المرمى . إنه نموذج الإنسان الواسع الصدر الذي يقـنع نفسه حتى في حالة الحب و الغرام بأن قلبه متسعا لحب العالم بأجمعه . و هو بهذه المناسبة قليل الاهتمام بالمرأة الواضحة كالكتاب المفتوح بينما ينجذب بشدة نحو المرأة التي تثير حيرته بغموضها و تكتمها .
يتظاهر هذا الإنسان بالطاعة و الولاء , فيبدو هادئا مستكينا و لكن هدوءه أقرب إلى السراب منه إلى الحقيقة . لذا ما أن يشعر باستغلال البعض – و منهم زوجته – لطيبته حتى ينتفض بقوة و يرد على المستغلين بصلابة غير متوقعة . و مع ذلك يمكن القول إن إعجابه بالمرأة ذات الشخصية القوية و الإرادة الصلبة لا يوصف . مثلا يتمنى ألا تغفر زوجته خطاياه بسرعة كي لا يخيب أمله في صلابة معدنها . يتزوج هذا الرجل في سن متأخرة بسبب انهماكه في الصداقة دون الحب , و لاعتباره الانفعالات العاطفية و العلاقات الجنسية أمرا يثقل عليه و لا يمنحه السعادة المتكاملة . وهو على كل حال لا يختار سوى المرأة التي تشبع غريزة الصداقة فيه , و إذا صدر عنها ما يزعجه في المستقبل تخلى عنها دون صعوبة تذكر و بقي صديقا لها لا أكثر . هذا من ناحية , و من ناحية أخرى غيرته على الزوجة قليلة و ثقته بها كبيرة حتى تثبت العكس . وهو يتصرف في حضورها و غيابها تصرفا لائقا على الرغم من كثرة الأصدقاء الذين يشغلونه عنها . إنه صادق صريح يروي الحقيقة إذا سئل , و لكنه يتعمد الكذب و التلفيق إذا شك في أمره دون مبرر .
رجل برج الدلو نظيف , يحب النظافة إلى حد المرض , مصاب ببعض العقد كعقدة الحساسية تجاه بعض الأماكن و الأشياء و العادات . أما كرمه فمن نوع خاص يجعله ينفق ببذخ أحيانا , و ينتقد تبذير زوجته أحيانا أخرى . لا يعتبر المال أحد أهدافه الرئيسية و لكن الحياة بقربه مملوءة بالمفاجآت و لو خلا بيته من النقود . و هو كفيل بإدخال البهجة إلى قلب زوجته في أي وقت كان ما عدا المناسبات كالأعياد و غيرها التي يهملها عادة بسبب ضعف ذاكرته الشديد .
يحب رجل برج الدلو أولاده حبا شديدا يدفعه إلى الاهتمام بهم و بألعابهم و عاداتهم و كل ما يخصهم من قريب أو بعيد . من حسناته كأب قدرته على الإصغاء إلى أحاديث الصغار فترة طويلة دون الشعور بالملل أو الضيق . و المعروف عنه تعلقه بحبه الأول و العودة إليه – إذا سنحت الظروف – بعد سنين طويلة . و سواء تزوج هذا الرجل صديقة الطفولة أو لم يتزوج فما من شك في أن المرأة التي يختارها قلبه تجد نفسها كأنها " أليس في بلاد العجائب " .
المرأة الدلو
أساس طبع المرأة المولودة في برج الدلو التناقض سواء في الحب أو في غيره من الميادين . لكن تناقضها هذا يظهر بوجه خاص في الحب حيث تستطيع الجمع بين الإخلاص التام و قلة الاهتمام و عدم الارتباط في آن واحد . و لا غرابة في الأمر ما دام الهواء عنصرها كما يؤكد علماء الفلك .
المرأة في برج الدلو مرتبطة من الوجهة العاطفية بكل إنسان و بالتالي بلا أحد . صحيح أنها رقيقة في الحب , و لكنها تبدو غامضة متكتمة , فلا هي موجودة تماما مع من تحب و لا هي غائبة عنه تماما . إن أقدس الأشياء في نظرها حريتها و صداقاتها المتعددة و مشاريعها الكثيرة . فإذا نوى الرجل أن يسعد بقربها عليه أن يرخي زمام حريتها و ألا يتذمر إذا خطر ببالها العودة إلى الدراسة أو الالتحاق بجمعية أو السفر إلى مكان ناء يتيح لها التأمل و الاستجمام . مقابل ذلك تتمتع هذه المرأة بخصال حميدة لا يسع الرجل سوى الإعجاب بها . يكفي أن المال في نظرها شيء ثانوي إذا قورن بغيره من أسس السعادة , و أن غايتها الأساسية إيصال زوجها إلى أعلى مراتب النجاح و المكانة الاجتماعية , وأن في استطاعتها التكيف لجميع الأوساط و الطبقات دون التخلي عن رقتها و ذكائها اللذين منحتها إياهما الطبيعة .
المرأة في برج الدلو قليلة الانفعال في الحب , تتمنى في بعض الأحيان لو تستطيع الاكتفاء بالعلاقات العذرية . و هي أيضا قليلة الغيرة , ترفض الشك فيمن تحب ما لم تلمس خيانته بنفسها . وفي هذه الحالة تشعر بالأسى العميق , و لا تتردد في الانفصال عنه مع الإبقاء على صداقته . إن الطلاق أمر سهل على هذه المرأة نظرا إلى تعدد صداقاتها و إلى طبعها الانفرادي الذي يتيح لها الاستغناء عن الرجل استغناء تاما في بعض الأحيان .
المرأة في برج الدلو أنثى جميلة جدا بل إنها – بعد مولودة برج الميزان – أجمل نساء الأبراج قاطبة . لكن جمالها من نوع خاص يطرأ عليه التغيير و التبديل . فهي تخلط بين الثياب و المناسبات الاجتماعية , ولا تتردد في الظهور بأحدث زي و تسريحة تارة و بزي قديم يعود إلى زمن جدتها تارة أخرى . تصرفها عموما يتسم بالخجل و التهذيب , و حديثها ينم عن الذكاء و اللباقة , لكن عيبها البسيط هو تنقلها المستمر من موضوع إلى آخر دون سابق إنذار .
تعتبر الأمومة في نظر هذه المرأة مرحلة دقيقة تتطلب منها التكيف و التضحية , و هي التي اعتادت أن توزع اهتمامها على جميع الناس و الأحداث . لا ريب أنها تحب أولادها و ترعاهم و لكنها تبدو دائما قليلة التعلق بهم . و لا يمنعها ذلك من أن تكون مربية فاضلة تبث فيهم روح الإخاء و التضحية , و تصغي في الوقت نفسه إلى مشاكلهم بصدر رحب و قلب مفتوح دون أن تخنقهم بعاطفتها و اهتمامها الزائدين . بالنسبة إلى الزواج تبدو هذه المرأة مترددة حائرة تسعى إلى الجمع بين الحب و الصداقة و لا تختار شريك عمرها إلا بعد تدقيق و تمحيص طويلين . من الأشياء التي تكرهها في الرجل الغيرة و حب التملك و التبذير القائم على الاستدانة أو الرهن أو ما شاكلهما .
أخيرا تتمتع هذه المرأة بحاسة سادسة تمنحها قدرة خارقة تبدو كالسحر في كثير من الأحيان .
المدير الدلو
إن وجود مواليد برج الدلو على رأس الشركات و المؤسسات أمر نادر الحدوث لسبب وجيه هو أنهم يفضلون البطالة على الالتزام بأعمال و أوقات و أماكن محددة . إنهم بطبعهم يكرهون إصدار الأوامر و اتخاذ القرارات و ترؤس الجلسات الرسمية على اختلاف أنواعها . و مع ذلك ما أن يمضي على وجودهم على رأس العمل بعض الوقت حتى يشعر الآخرون أنهم جزء لا يتجزأ من العمل , لا يمكن الاستغناء عنهم .
على الرغم من العوامل السلبية التي يتمتع بها رجل برج الدلو , كالخجل و النسيان و الإهمال و التقلب و غير ذلك , يتحلى بخصال إيجابية عظيمة منها الفكر الحاد و المنطق السليم و الحدس العظيم و وضوح الرؤية مما يتيح له معرفة المستقبل و استعراض خطوط القضايا العامة في الوقت الذي يضيع فيه غيره في تفاصيل الأمور و هوامشها . و مع ذلك كثيرا ما يقع ضحية ذاكرته الضعيفة فينسى مثلا اسم سكرتيرته الخاصة التي تلازمه منذ سنوات . على أن النسيان لا يمنعه من أن يكون فضوليا يتحرى خصوصيات موظفيه لا لسبب سوى التمكن من درس الطبيعة البشرية . وهو في محاولاته الاستكشافية هذه لا يقاضي أحدا ولا يوجهه أو يحتقره . كما أنه يرفض أن يثار أو يصدم من أمر مهما كان فظيعا . ثم إنه يأبى تمييز شخص من آخر , كما يأبى أن يصدر الأحكام سلفا معتبرا جميع الناس أصدقاء جديرين بوده و احترامه .
يتوخى رجل برج الدلو في العاملين معه الصدق و الاستقامة , و لكنه لا يعبأ كثيرا بأفكارهم و معتقداتهم الخارجة عن نطاق العمل . إنه رجل حق و عدالة , يكرم من يستحق الإكرام و يعاقب من يستحق العقاب دون أن يتخلى عن تهذيبه و نعومته . كما يؤمن بجدوى الأعمال المشتركة فيترك لسواه حق المبادرة في اتخاذ الرأي و في تحمل المسؤولية .
في هذا الإنسان طرافة لا تنكر . فهو مستعد دائما لإجراء التغييرات سواء في نظام العمل أو في المواعيد أو حتى في تنسيق المكتب دون علم الموظفين العاملين معه . بالمقابل لا يحاول التدخل في شؤونهم أو عاداتهم أو مظهرهم الخارجي , و لهذا السبب يجد نفسه محاطا بزمرة متضاربة الأذواق في المأكل و المشرب و العادات و اللباس و غير ذلك .
هذا الإنسان قادر على الكلام و الإصغاء و الاختلاط بالناس تماما كما هو قادر على الصمت و التأمل و العزلة فترة غير وجيزة . لكن مهما كانت حالته النفسية يعتبر جميع العاملين معه , حتى المنافسين له , أصدقاءه و أحباءه. من ناحية أخرى يحاول دائما الفصل بين عمله و عائلته فتمر الأشهر و السنوات دون أن يزور مكتبه قريب أو أن تقع عين موظف على زوجته أو أولاده . هذا و من الأشياء التي يرفضها بإصرار التبذير و توزيع المنح دون مبرر , و إقراض الموظفين جزءا من مرتبهم خارج أوقات الدفع .
إنه باختصار إنسان غريب الأطوار كثير الأخطاء قليل الكفاءة إذا ما قورن بغيره من أرباب العمل التابعين للأبراج الأخرى . و مع ذلك ينجح في الحصول على مكانة رفيعة و قدر كبير , ولا يستبعد أن يختار يوما بالإجماع كأفضل رب عمل في الأوساط التي تعرفه .
الموظف الدلو
إن التعرف إلى رجل برج الدلو في إطار العمل مسألة سهلة لا تحتاج إلا إلى دقة الملاحظة . فلو استطعنا مثلا مراقبة مجموعة من الموظفين و وجدنا أن أحدهم يبدو ضعيف الذاكرة مشتت الأفكار قليل الاهتمام بزميلات العمل و محاطا بعشرات الأصدقاء أمكننا الجزم بأنه مولود برج الدلو . ولو سألنا رأي الآخرين فيه لقالوا أن العمل معه مثير لكونه الوحيد بينهم الذي يستبق الزمن و يحلق في أجواء المستقبل و يعود إلى الحاضر من وقت إلى آخر وفي جعبته أفكار مذهلة جدا .
إن تأثير هذا الموظف في زميلات العمل قوي جدا و إن كان غير مقصود . فاللامبالاة التي أورثه إياها الكوكب أورانوس تشكل تحديا سافرا لأنوثة المرأة فتضطر إلى الدخول معه في معركة عاطفية تعيد إليها كرامتها المسلوبة . أما هو فقد يعيش معها جنبا إلى جنب الأسابيع و الأشهر دون أن يبدو شاعرا بوجودها , ثم فجأة يصارحها بالإعجاب بأسلوب فذ يتركها شبه مذهولة . هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى حبذا لو يستمع رب العمل إلى أفكار هذا الموظف على الرغم من طابعها الوهمي و الخرافي , فربما عادت عليه بالفائدة في يوم من الأيام .
لا شك في أن هذا الموظف إنسان هادئ متزن , و مع ذلك يرفض الارتباط بعمل واحد ولا يستبعد أن يجمع بين وظيفته الأساسية و أعمال أخرى متنوعة كالرقص و التلحين و الغناء و التصوير و الكتابة و الرياضة , حتى علم الجيولوجيا , كل ذلك بغية اكتشاف نفسه كما يقول . فإذا ما تم له ذلك اكتفى بالشيء الوحيد الذي يلائمه و داوم عليه بقية عمره .
لا يمكن القول إن هذا الرجل عاطفي بطبعه . فهو يقـف من الحياة و الناس موقفا علميا بحتا . و إذا بدر منه انفعال ما , كان السبب دون ريب حالة نفسية طارئة لم يعتد مثلها من قبل . بالرغم عن ذلك لا يمكن أن تخلو حياته يوما من الأصدقاء . ولكنه سريع التبديل يفشل في ملازمة صديق فترة طويلة كما يفشل في التركيز على صديق واحد , و لهذا يقال إنه يعطي من الصداقة و الود أكثر كثيرا مما ينال .
هناك نموذجان لرجل برج الدلو في الوظيفة . الأول هادئ متزن يبدو كالفيلسوف أو المدرس , و يدخن الغليون غالبا , و يعيش في بيت فخم , و يحيط نفسه بتحف غريبة جمعها من أنحاء العالم . و الثاني عالم مخترع غريب الأطوار يقيم في مسكن وضيع تسوده الفوضى و ينتشر في أرجائه الغبار , و يحيط نفسه بأدوات و أجهزة عجيبة من صنعه . و كلا النموذجين طيب ذكي ضعيف الذاكرة مرهف الحس ينضح بالمعرفة , ويحيط نفسه بعشرات الأصدقاء من مختلف الأعمار و المستويات و يهرب من الزواج , و يمارس بعض العادات الطريفة .
و سواء انتمى الموظف إلى هذه الفئة أو تلك فإنه جدير بثقة رؤسائه و محبة زملائه . يحافظ على مصالح الشركة التي يعمل فيها و على أسرارها دون أن يسعى للفائدة المادية التي تعتبر في نظره مسألة ثانوية تماما كالزوجة . ومع أنه قليل الطموح إلا أنه يتمتع بأرجح عقل إذا ما قورن بموظفي الأبراج الأخرى , و لهذا يستحق أن يصبح يوما شريكا لرب العمل أو على الأقل نائبا له