الصفات العامة لبرج العقرب
العقرب – حسب معناه في القواميس اللغة – حشرة ليلية لها ذيل معقوف تستعمله في حالتي الهجوم و الدفاع و تبخ بواسطته سما زعافا يشل حركة الضحية و يودي بحياتها في كثير من الأحيان . أما في لغة الأبراج فالعقرب إنسان غير عادي يتمتع بصفات غير عادية تشبه من نواح كثيرة صفات الحشرة المذكورة و إن كانت أقل منها فتكا و أذى حقيقيا . و كما تسرح حشرة العقرب في سكون الليل و ظلامه كذلك يفعل إنسان برج العقرب , يظل متخفيا متكتما في النهار و الليل وراء قناع خارجي يخيل للناظر أنه وجهه الحقيقي بينما هو في الواقع وجه مزيف بينه و بين الوجه الصحيح المختبئ وراءه فرق شاسع .
بالرغم من ذلك يمكن التعرف إلى هذا الإنسان بواسطة أمرين : أولا عيناه الثاقبتان اللتان تشعران المرء بالقلق و الضيق , و ثانيا صوته الذي لا يمر دون أن يترك في السامع أثرا غريبا سواء أكان من النوع الأجش أو الحاد أو المخملي . يضاف إلى ذلك مظهر خارجي حاد في جميع تفاصيله . لكن الأهم من ذلك هو تأثير إنسان برج العقرب في الأجواء التي يوجد فيها . إن أي مكان يجلس فيه أو يدخل إليه فجأة يصبح أشبه شيء بحقل من الكهرباء أو المغنطيس أو الذرة . إنه بكلام آخر " يشرقط " الجو كما يقولون عادة .
لقد تأثر إنسان برج العقرب عند ولادته بالكوكب السيار أفلاطون ( بلوتو ) الذي أمده بقدرة التحكم في قسمات وجهه و مشاعره الداخلية على النحو الذي يريد . و لهذا السبب يستطيع الاحتفاظ بجموده العجيب في جميع الظروف و الأحوال دون أن يضطر إلى الضحك أو العبوس أو الصراخ أو القهقهة أو القفز أو الركض أو حتى مجرد الانحناء الخفيف أو الانتصاب الخفيف لسبب أو لآخر . و إذا بدا عكس ذلك في بعض الأحيان كان السبب غاية في نفسه فرضت عليه تمثيل دوره الجديد عن قصد و سابق تصميم الأمر الذي يثبت صحة ما ذكرناه , قبلا وهو أن وجه العقرب الخارجي ليس سوى وجه مزيف بينه و بين وجهه الحقيقي فرق شاسع .
إن أكثر الأشياء وضوحا عند هذا الإنسان هو " الأنا " . فهو يعرف تماما من هو و ماذا يريد من نفسه ومن الآخرين . و لذلك يستحيل تحريكه بكلمة خير أو شر , و لأنه يرفض التودد سواء منه أو إليه , يصدر أحكامه بصدق جارح في كثير من الأحيان . معارفه فئتان : أصدقاؤه المعجبون و المتعلقون به و أعداؤه الألداء . بين الفئتين لا وجود لأحد على الإطلاق لأن من الصعب على أي كان الاحتفاظ بشعور اللامبالاة تجاهه . كان علماء الفلك قديما يرمزن إلى مواليد برج العقرب بواسطة أفعى أو ضب أو نسر في بعض الأحيان , و سبب ذلك يعود ولا ريب إلى تعدد الأدوار و الشخصيات التي ينجح في أدائها . فهو بحسب الظروف و الأوضاع – تارة عقرب سام يؤذي لمجرد اللذة ولا يتورع حتى في أذية نفسه , و طورا ضب قاصر لئيم يعيش في الظلمات و الخوف , و أحيانا يتحول العقرب أو الضب إلى نسر عظيم يحلق في الأجواء متحديا الفشل و المرض و الفقر , حتى الموت نفسه . هنا يبلغ الإنسان العقرب أسمى درجات الشجاعة و التفاؤل و العظمة .
شجاعته في الواقع مضرب الأمثال . إنه رجل الساحة وقت الحروب و الزلازل و الحرائق و جميع الكوارث التي فيها تحد لشجاعة الإنسان و حياته . إخلاصه لعمله و عائلته و أصدقائه يدفعه إلى الإلقاء بنفسه في التهلكة دون تردد إذا عرف أن في موته خلاص للآخرين . أمر قد لا يصدق و لكنه الواقع : هذا الإنسان القوي المتسلط إلى أقصى الحدود يتعلق أحيانا بالدين و يتعمق في أسرار الحياة و الموت و يحمي الأطفال و الضعفاء و يداوي النفوس و الأجسام المريضة مثله في ذلك مثل القديسين في تضحيتهم و عطائهم . مقابل هذا قد تطرأ ظروف عكسية تحوله إلى شيطان يزرع الفساد و الشر و يقابل الإساءة بأضعافها , و إذا لم يتسن له الانتقام سكت على الضيم مكرها و شعر من جراء ذلك بمرارة شديدة قد تسبب له مع الوقت مرضا حقيقيا.
إذا تتوقف حالة هذا الإنسان الصحية إلى حد بعيد على مزاجه و ظروفه المعيشية . قد يصاب بالمرض بسبب الإفراط في الطعام و الشراب و التدخين و أحيانا الإدمان على المخدرات و العقاقير , و لكنه يستطيع الشفاء أيضا بفعل إرادته القوية . هذا و عليه أن يحتاط لنفسه من خطر النار و المتفجرات و الغازات السامة و الإشعاعات الذرية و غير ذلك من العوامل التي تندفع نحوها و تنجذب إليها طبيعة التحدي فيه .
يستطيع إنسان برج العقرب الإبداع في أي عمل يمارسه . و خصوصا في الجراحة و السياسة و التلحين و التمثيل و الأدب و الجاسوسية و البوليس , حتى في حفر القبور . طموحه على كل حال كفيل بإيصاله إلى حيث يصبو مع أنه يسير نحو أهدافه بكل حذر و تؤدة و دون أن تظهر عليه بوادر الاهتمام أو المنافسة . هذا من جهة , من جهة ثانية قد يتحول اهتمامه بالدين إلى الاهتمام بالسحر و التنجيم و قراءة الكف وعلوم أخرى كانت منتشرة فيما مضى . يقال إن هذا الإنسان يرمز في علم الفلك القديم إلى البعث و القيامة و لهذا السبب ساد الاعتقاد أن ولادته ترافقها دائما وفاة قريب له إما خلال السنة التي تسبقها – أي تسبق الولادة – أو خلال السنة التي تليها .
الطفل العقرب
يولد الطفل في برج العقرب مكتمل الصورة أكثر منه في الأبراج الأخرى , و يبدو أقوى عزما و أهدأ نفـسا من الأطفال الذين في مثل سنه . إن أول ما يلفت إليه الانتباه عيناه المتسلطتان على الرغم من ضعف الطفولة فيه و براءتها . إذا لم تدرك والدته – على الأقل – صلابته و لم تعالجها من البداية بما هو أصلب أصبح أقرب إلى العقرب السام منه إلى الابن البار , و إذا لم تمنحه بالإضافة إلى صلابة المعاملة الحب الكافي تحول إلى ضب خائف مقهور . و هكذا نجد أن أمام الطفل المنتمي إلى برج العقرب طريقين أحدهما علوي و الآخر سفلي – إذا جاز التعبير – و إن اختيار أحد الطريقين يتوقف إلى حد بعيد على نوع التربية التي يتلقاها منذ البداية .
يحتاج تقويم هذا الطفل إلى يد من حديد و قلب ملآن بالحب و الصبر . من الصفات التي يجب أن يعتادها منذ الصغر مراعاة الضعيف , و احترام القانون , و غفران الإساءة , و قبول الخسارة بروح رياضية بناءة . أما الصفات الأخرى التي تولد معه و لا تحتاج إلى الرعاية فهي الجرأة و الصراحة و الاستـقامة و الجاذبية .
على الرغم من صراحته يرفض هذا الطفل الكشف عن جميع خصوصياته محتـفظا ببعضها لنفسه , كما يرفض التخلي عن حاجاته و ممتلكاته الخاصة مفضلا حفظها في مكان أو زاوية ما تخصه وحده دون أفراد العائلة . أما شجاعته التي لا تنكر فتجعله قادرا على احتمال الألم الجسماني الشديد دون أدنى خوف أو بكاء . أمر آخر لا ينكر وهو إخلاصه لأهله و أصدقائه من جهة و تصلبه مع الآخرين و قسوته عليهم من جهة ثانية .
طفل برج العقرب أيضا حاد الفكر و الذاكرة يستوعب دروسه بسهولة عجيبة و خصوصا متى وجد المعلم الجيد . بقليل من الإشراف و المساعدة يصل إلى القمة بين أترابه و زملائه . عيبه الوحيد ميله إلى التمرد على القانون في بعض الأحيان . يجب أن يتلهى عن ذلك بالرياضة و المطالعة و خصوصا مطالعة كتب الكيمياء و الفيزياء و قصص الأشباح و الجن و السحرة و غير ذلك . من أحب الهدايا إلى نفس هذا الطفل مجهر يكتشف بواسطته حقيقة الأشياء .
تحت ستار الهدوء و البرود يخفي الطفل – العقرب شعور القلق الذي يساوره باستمرار . و بما أنه سريع الانفعال دون أن يدرك الآخرون ذلك يتألم إلى درجة المرض إذا طرأ ما يعكر صفو بيته و عائلته . و مع ذلك يفضل أفلام الرعب و قصص الجن و السحرة كما ذكرنا قبلا . هذا و ينجذب بشدة نحو مختلف العقاقير و الأدوية , و لهذا السبب يجب أن تحفظ في مكان بعيد عن متناول يده .
يحلم طفل برج العقرب بأن يكون في المستقبل بحارا أو إطفائيا أو مهندسا فضائيا أو رجل دين أو حاكما أو حتى رئيسا للبلد . و على كل حال , مهما كانت أحلامه تلك , لا يجوز أبدا مقابلتها بالهزء و السخرية لأن في وسعه تحقيقها دون ريب . لكن يجب أن تقوم حدة اكتفائه بذاته و إهماله للآخرين كي يعلم قبل فوات الأوان أن أساس السعادة هو المشاركة في الرأي و المبادلة في العاطفة .
الرجل العقرب
يصح في هذا الرجل المبدأ القائل : درهم وقاية خير من قنطار علاج . هذه العبارة هي بمثابة نصيحة منا لجميع المتعاملين مع رجل برج العقرب بوجه عام و للمرأة بوجه خاص . من الخير لها أن تتسلح بدرع واق قبل محاولة التعرض له من قريب أو بعيد لأن في التعرض له خطر الانفجار أو الاحتراق المعنوي على الأقل . من الصعب على أي ٍ كان تصديق مثل هذا الكلام في الوقت الذي يبدو فيه هذا الإنسان على هذا النحو من الهدوء و السكينة . لكن شتان ما بين ما يظهره و بين ما يخفيه . إن ما يظهر منه ليس سوى قناع مزيف يقصد منه تضليل الآخرين أما ما يخفيه فهو حقيقته التي تتلخص بكلمة واحدة هي : الانفعال .
يعتقد البعض أن رجل برج العقرب إنسان طيب أقرب إلى السذاجة , بينما يعتقد البعض الآخر أنه لئيم محب للغدر . وهو في الواقع خلاف الحالين . إنه بالضبط إنسان مفطور على حدة الذكاء و الإرادة و الانفعال في وقت واحد , أي أن قهره صعب مهما حاول البعض . و إذا بالغ أحد في الإساءة إليه رد بالانفجار و بتحطيم كل ما حوله . أقوى ما في هذا الرجل القوي عيناه الحادتان اللتان تستطيعان اختراق أعماق أي كان و بث جميع الأفكار و المشاعر التي يريدها فيه . هذا الإنسان المتسلط القوي الإرادة يهدف إلى الحقيقة أينما كانت سواء في الحياة أو الموت أو المرض أو الحب أو الدين , و لذلك يؤمن بالتعمق و يكره السطحية إلى أقصى حد , و قد لا يوازي كرهه لها سوى كرهه للخسارة , فهو إن فقد شيئا مهما كان تافها أو قليلا يثور من الداخل إلى درجة الألم أو المرض دون أن يطرف له جفن .
الرجل – العقرب إما متدين أو ملحد أو عنده من الرياء المقصود ما يكفي القيام بالدورين معا . إن القوانين التي يسير عليها من صنعه دائما . أهدافه واضحة و كذلك سبل الوصول إليها . وهو في سبيلها لا يأبه للصعاب أو الأخطار أو حتى الموت . هذا الرجل صعب في اختيار الأصدقاء لا لسبب سوى أنه ينشد أعلى المستويات في علاقاته بالآخرين ولا يتورع أحيانا عن استعمال القسوة و الأساليب السادية حتى مع المرأة التي يحب . على الرغم من ذلك يغار عليها بشدة و يتألم إذا حاولت الانعتاق منه و لكنه يكتم ألمه و يقابل أخطاءها بالعنف و التحدي و لو اضطر إلى تحكيم قلبه و سعادته . مقابل ذلك غيرتها هي لا تزعجه على الإطلاق ولا تحول دونه و الاهتمام بالنساء الأخريات مع أنه قوي جدا تجاه الإطراء و الغزل , و من النادر إن لم يكن من المستحيل أن يفقد السيطرة على نفسه في المواقف العاطفية .
من الطبيعي أن يكون الرجل – العقرب أبا صارما على الرغم من حبه الشديد لأولاده . فهو لا يسمح بأن يتجاوزوا معه حدود الأدب و الطاعة و لكنه يعلمهم في الوقت نفسه احترام الذات و الاعتماد على النفس . من الجائز أن يتألموا ضمنا بسبب برود مظهره , و لكنهم يجلونه بكل تأكيد و يثقون بأقواله و أعماله ثقة عمياء .
نعود إلى علاقة هذا الإنسان بزوجته فنجد أنها تقوم على أساس السيادة من جهته و الطاعة من جهتها . ذلك هو المبدأ الذي لا يحيد عنه في حياته العاطفية . وهي – أي زوجته – بقبولها ذلك المبدأ تحصل على مميزات لا تنالها أية امرأة أخرى في الحب . يكفي أن تعلم أن السعادة و الرضى تحولان زوجها من عقرب سام إلى نسر عظيم يحلق في الأجواء لا وحده بل برفقتها دائما , وأن في استطاعته أن يعرفها إلى أسرار و مفاتن يجهلها جميع الذين يفتقرون إلى معدنه و طينته العظيمتين .
المرأة العقرب
جمالها ممغنط " مشرقط " يصعب تـفسيره كما يصعب مقاومته . ثـقتها و اعتزازها بنفسها كبيران إلى درجة الشعور بالأسف لكونها امرأة , لا لأنها تكره أنوثتها بل لأن الرجل عادة أكثر تحررا و أوفر فرصا . على الرغم من جاذبيتها المفرطة ترفض الاكتفاء بدور الأنثى ليقينها أنها تستطيع أكثر من ذلك كثيرا . مهما يبدر منها من غرابة أو إهمال أو لا مبالاة , سواء في هندامها أو حديثها أو تصرفها , تبقى في نظر الجميع أصدق نموذج للمرأة الخطرة ذات العينين الآسرتين و المظهر الخفي . لقبها باللغة الفرنسية المرأة الخطرة " لافام فاتال " الذي يعيد دائما إلى الأذهان صورة الجاسوسة الحسناء ماتا هاري التي دوخت فيما مضى جيوشا و حكومات .
تجيد امرأة برج العقرب أدوارا مختلفة و تنجح في الوصول إلى أهدافها على الرغم من كل العقبات الصغيرة و الكبيرة التي قد تعترض سبيلها . سلاحها الأقوى هو تلك الحاسة السادسة التي تملكها النساء بوجه عام و تتمتع هي بها بوجه خاص , الأمر الذي يتيح لها أن تقرأ الأفكار و تستبق الحوادث و تحل الألغاز كما لو كانت ساحرة حقيقية . ليس صعبا على مثلها الإيقاع بالرجل , أي رجل , و مع ذلك أكثر ما تكرهه في الرجال عامة الضعف . تنجذب بالمقابل نحو الوسيم الطموح الشجاع الذكي المتعمق صاحب الإرادة الحديدية . و بكلام آخر ترفض أن تمنح قلبها إلا للرجل المتفوق المدعو " سوبر مان " .
تفضل هذه المرأة الزواج ممن تحب , فإذا لم تستطع ذلك لسبب أو لآخر اكتفت بدور الصديقة أو الخليلة غير آبهة للرأي العام . و هي بمقاومتها ذلك الرياء الاجتماعي المعروف تثبت أنها أكثر فضيلة من العديد من الزوجات الشرعيات . من حسناتها العظيمة كزوجة عدم تمسكها بالقيادة على الرغم من كل المقومات التي تؤهلها لهذا الدور , و عدم ترددها في مساندة زوجها على طريق النجاح و الشهرة . هذا من جهة , و من جهة أخرى تغار على حبيبها بشدة و لكنها تتظاهر بالعكس . حب التكتم هذا يجعلها تحتفظ بجزء من قلبها ومن تفكيرها لنفسها مع أنها في الحب وفية مخلصة إلى أبعد الحدود . من الصعب أن تجاريها أية امرأة أخرى في حدة العاطفة و عمقها . و هي كما تعشق بحدة تغار أيضا بحدة و تكره بحدة دون أن يظهر عليها أدنى تغيير , لكنها عندما لا تعود تحتمل تنفجر كالقنبلة و تأخذ في تكسير كل ما يقع تحت يدها و تمزيقه و خلعه . ثم تستعيد بسرعة مذهلة رباطة جأشها و برود مظهرها فلا يعود أحد يصدق أن تلك الأعمال تصدر عنها .
فضول المرأة التي تنتمي إلى برج العقرب يضعها في التجربة حيث تغوص أحيانا إلى أذنيها دون أن ينتابها شعور بالتردد أو الخوف . إن هدفها في الواقع الحصول على المعرفة التامة و لو نجم عن ذلك هلاكها . من الغريب أن تخرج في كل مرة أكثر قوة و صلابة . و الأغرب من ذلك أن تصرفاتها لا تثير شكوك أحد كما لا تفقدها اعتزازها بنفسها . إذا أضفنا إلى هذه الصفات حب التملك المعروف عنها ندرك الأسباب التي تقف وراء فشل الرجل في التحرر من سطوتها مهما حاول .
تنجح هذه المرأة في دور زوجة بحار أو جندي أو سياسي كما تنجح في إدارة بيتها الذي ينم في مجمله عن ذوق رفيع و نظام أكيد و رفاهية تامة . إنها أيضا أم حنون على الرغم من برود مظهرها , تسهر على راحة أولادها و تنمي فيهم المواهب و الميول , و تبث فيهم روح الشجاعة و الإقدام و الاتكال على النفس .
إنها بكلام آخر إنسانة مثيرة و خطرة في آن واحد , ترد على الإساءة بأضعافها و تأبى التخلي عمن تحب . إذا نجح الرجل في التحرر منها فعلا لا يستبعد أن يجدها في أحلامه الليلة تلو الليلة . كيف ؟ لا نعلم . كل ما نعلمه أنها تشبه الجنيات و الساحرات اللواتي نقرأ عنهن في الروايات أو نسمع بهن في القصص الشعبية .
المدير العقرب
شيئان لا يستغني عنهما رجل برج العقرب في حياته المهنية : الحكمة و السلطة . وهو في سعيه الدائب لهما يبدو كأن لسان حاله يقول : " اخفض صوتك و ارفع في يدك عصا طويلة " . بهذا الأسلوب تقريبا يعالج القضايا و يتعامل مع الموظفين و العمال .
أهم الأحداث في نظره المعرفة , معرفة سر الوجود و الفناء و كل ما يمتد بينهما . و هو في سبيل تلك المعرفة يتسلح بفضول غير محدود , و بقدرة عجيبة على اختراق النفوس و تعرية الحقائق و الغوص إلى أبعد أعماق الكون . على الرغم من سمو تلك الأهداف و حدتها يبدو هادئا رزينا قليل الحركة مجهول الدوافع و الغايات .
عندما يرضى عن أحد يعمل ما في وسعه لدعمه و إيصاله إلى القمة , و عندما يغضب على أحد تفشل معه جميع المحاولات و الوساطات و يجد الموظف المنكود الحظ نفسه مطرودا . من الواضح أنه يسعى للعمل مع المتفوقين دون سواهم , و أن لديه دائما أفضل فريق من جميع النواحي . من يحبه من الناس يحبه بإخلاص و تفان , و من لا يحبه يحترمه و يحسب حسابه من بعيد . إن عينيه تعملان على كل حال كالرادار , و ترشدان الناس إلى المسافة التي يجب أن تفصلهم عنه . لكن من الخطأ الاعتقاد أن مظهر هذا الإنسان رهيب كنفسيته . إنه على العكس وسيم الوجه هادئ الملامح على الرغم من غموض ابتسامته و سحر عينيه اللذين لا يقاومان .
و بما أنه قادر على التحكم في انفعالات الآخرين يجد هؤلاء أنفسهم مجبرين على احترامه و على التفاني في سبيله مع الاعتقاد أنه أطيب و أخلص رب عمل وجد حتى الآن . و هو بدوره يستحق منهم تلك النظرة لأنه ذكي و صادق و موهوب إلى أقصى الحدود . ثم إنه ولا ريب رجل الصعوبات و المحن و القضايا المستعصية . حينئذ يرفع عن وجهه الأقنعة التي طالما خدع بها الناس , و ينصرف إلى العمل كعشرة رجال في آن واحد . بعد أن ينتهي دوره الجديد هذا يستعيد هدوءه كأن شيئا لم يكن أو كأنه " الدكتور جيكل و مستر هايد " .
نصيحة لا بد منها لكل من يعمل مع رب عمل ينتمي إلى برج العقرب عدم إطرائه كثيرا كي لا تثار شكوكه . فالمعروف عنه حسه المرهف تجاه أبسط الملاحظات و التعليقات تماما . كما هو معروف عنه عنف الرد على الإساءة . هذا من ناحية , و من ناحية أخرى على كل من يحاول نيل رضاه أن يستعمل مثله الدقة في المعاملات المالية و أم يواجه مثله المرض و الفقر و الفشل بشجاعة الفارس المغوار .
في جميع صفات رجل برج العقرب شيء من التسامي و التعالي , لكن أسمى ما فيه هو ذلك الصدق تجاه نفسه و تجاه الآخرين على الرغم من كل الأقنعة التي يحلو له استعمالها .
الموظف العقرب
هل التقيت يوما موظفا أو عاملا ينم مظهره عن الهدوء التام , أو حتى الجمود , و عن الثقة بالنفس و معرفة الذات و وضوح الرؤية ؟ إذا فاعلم أنه و لا ريب مولود في برج العقرب . حاول التعرف إليه أكثر تجد أن لديه دائما برنامج أعمال واضحا و مفصلا و أهدافا معينة و أعذارا قليلة بل نادرة سواء من أجل تغيب أو مرض أو غير ذلك , و أنه متكتم إلى أقصى حد فيما يتعلق بحياته الخاصة , و متحكم في نفسه و صادق معها و مع الآخرين , و قادر على تعرية الحقائق أينما وجدت .
يستطيع من كانت له مثل هذه الصفات أن يبني حياته أو يدمرها بالسهولة نفسها و على النحو الذي يريد . جرأته العظيمة تتخطى التدخل في شؤونه إلى سواه إذا ما دعت الحاجة , فهو يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة دائما , و إذا كان هناك شيء يجهله فهو مركب النقص إلا إذا كانت قد طرأت على طفولته أو شبابه المبكر حوادث قاسية أجبرته على التحول إلى ضب جبان معقـد . حتى بعد هذا التحول يرفض السكوت على الضيم و يقبع في الزوايا متحينا فرصة العودة إلى صفوف العقارب السامة أو النسور الكاسرة .
يتوقف تصرف هذا الموظف مع رؤسائه على مدى حاجته إليهم و على نوع تلك الحاجة . من الجائز أن يرد على كل إساءة بأكثر منها أو باللامبالاة أو بالاحترام التام و السكوت المطبق . إنه يعرف من أين تؤكل الكتف عند الحاجة , كما يعرف أن للنجاح ثمنا عليه أن يؤديه كاملا , و مع ذلك تتسم فلسفته بطابع الشرف و الاستقامة إذ يقول لسان حاله : من يدفع الثمن ينل الفائدة , و من يرد رفض دفع الثمن عليه أن يرفض الفائدة من البداية . هذا الأسلوب سواء في التـفكير أو التنفيذ لا يمنعه من منح رؤسائه ثقته و وفاءه الكاملين و غير المشروطين إذا وجد أنهم يستحقون ذلك فعلا .
موظف برج العقرب صبور مثابر و ذو ذاكرة حادة لا تخطيء أبدا مما يتيح له اختيار ساعة الانتقام و طريقته . و لكنه مقابل ذلك جاد متعمق في عمله لا يحيد عن أهدافه قيد شعرة ولا يتردد أمام الصعاب و العقبات . يتمتع بطاقة حيوية عظيمة تجعله يواصل العمل دون أدنى تعب أو كلل . من الأعمال التي ينجح فيها أكثر من سواه الجراحة و علم النفس و الصحافة و الاستكشاف و الجاسوسية و الأبحاث و الشرطة السرية . مهما يكن حقله فهو من النوع الذي يتزود بالعلم و المعرفة دوما فلا يمر يوم دون أن يحصل فيه على فائدة ما تجعله في وضع أفضل من السابق . وهو أيضا من النوع الذي ينجذب بشدة نحو الألغاز و الأحاجي و كل ما هو غامض غير مفهوم .
يمضي هذا الرجل حياته الخاصة وفـقا لمبادئ و أنظمة من صنعه , و يرفض تطويرها إلا حين يشاء , و بالصورة التي يريد . عندما يشعر أن رؤساءه أو زملاءه ينوون التدخل في أموره يقف موقفا متصلبا أو يترك عمله نهائيا على الرغم من كل المكاسب التي يكون قد حصل عليها . أليس في ذلك منتهى الصدق على الأقل مع نفسه ؟